ادعمنا

منطقة البحر الأبيض المتوسط - Mediterranean Sea

للمنطقة المتوسطية أهمية جغرافية واستراتيجية، بالإضافة إلى مكانتها الحضارية والتاريخية، مما أعطى لها دور حيوي ومركزي في السياسة العالمية وعجلة الاقتصاد العالمي، إلا أن هاته المكانة زادت من تعقيدات الحالة الأمنية التي تتعرض لها المنطقة.

أولاً- منطقة البحر الأبيض المتوسط نشأة المصطلح وجغرافية المنطقة

- تاريخ ظهور مصطلح البحر الأبيض المتوسط:

إن أول من تحدث عن منطقة  البحر الأبض المتوسط في العصر القديم الجغرافي اليوناني    "Starbon" حيث كان يسميه "Mare Nostrum " أي بحرنا، وأطلق عليه الأتراك اسم "أكدينز" أي البحر الأبيض وذلك لكثرة زبد أمواجه، ويعرف أيضا على أنه "بحر محاط بالأراضي أو بحر وسط الأراضي، ولقد عرف البحر الأبيض المتوسط في القديم ومن خلال التجار بالبحر فقط، ثم بعد ذلك عرف بالبحر الممتد من جبل طارق إلى مضيق "الدردنيل" و "البوسفور"، ويعتبر البحر الأبيض المتوسط مساحة مائية كبيرة تتوسط ثلاث قارات هي افريقيا، آسيا وأوروبا ومن هذا التوسط جاءت تسمية البحر المتوسط، وهي مشتقة من كلمتين لاتينيتين  هما "Medus" :أي المتوسط و" "Terra أي الأرض وبذلك فهو يعرف بالبحر الذي يتوسط الأرض في العالم القديم، ولعل هذه التسمية الجديدة أي المتوسط تظهر وتحدد بوضوح الأهمية الجيواستراتيجية للمكان فهي لا تعني بالمتوسط ذلك البحر الذي يتوسط ثلاث قارات 'افريقيا، أوروبا آسيا" وإنما تعني الإقليم المتوسطي ككل أي البحر الأبيض المتوسط وكل الدول التي لها واجهة متوسطية عليه، وقد بلغ عدد الدول والجزر التي تطل عليه  22 دولة في القارات الثلاث.

- الإطار الجغرافي للمتوسط:

يقع البحر الأبيض المتوسط في قالب العالم، حيث يشكل همزة وصل بين القارات الثلاث أوروبا، آسيا وافريقيا وبالتالي فإن المتوسط يفصل الجزء الشمالي الأوروبي الغربي عن الجزء الشرقي والجنوبي العربي، فالبحر الأبيض المتوسط هو بحر داخلي واسع يغطي مساحة إجمالية تقارب ثلاثة ملايين كيلومتر مربع ويقع بين خطي عرض°46 وخطي طول °5.50 غربا و °36شرقا، وبذلك فالبحر الأبيض المتوسط يتصل بالبحار والمحيطات عن طريق جبل طارق وقناة السويس في حين أن مضيق البوسفور والدردنيل يربطان المتوسط من خلال مرمرة بالبحر الأسود المقفل، ويبلغ طول البحر المتوسط 3800 كلم ²وعرضه الأكبر 800 كلم بين خليج "جين "Génes وتونس ومساحته الإجمالية حوالي  3مليون كلم2.

ثانياً- أهمية المنطقة المتوسطية:

- الأهمية الجيوسياسية للمتوسط:

يشكل البحر المتوسط واقع جيو سياسي حضاري وتاريخي في آن واحد وتمثل بذلك منطقة المتوسط رهانا استراتيجيا هاما بحكم ميزاتها البحرية الهامة وموقعها الفريد من نوعه في نقطة تقاطع ثلاث قارات " أسيا، إفريقيا، أوروبا" ونقطة اتصال بين المحيطين الأطلسي والهندي، وللتأكيد على الأهمية الجيوبوليتيكية للبحر المتوسط فقد ذهب العديد من الباحثين أمثال "مورتن كابلان Morton Kaplan" إلى القول" أن مستقبل السياسة العالمية سيعتمد على الأقل في العقد القادم، احتمالا للجيل القادم أيضا على تطور المنطقة المحيطة بحوض البحر الأبيض المتوسط" وفي البحر المتوسط مناطق ذات أهمية استراتيجية تسهل عملية المراقبة أو الهجوم أو التصنت وتسهل عمليه الانتقال والاتصال كمنطقة جبل طارق و مضيق البوسفور والدردنيل وقناة السويس، القوة التي يمكنها أن تغلق هذه المناطق تكون قد أوقفت الملاحة إلى البحر الأبيض المتوسط ومنه إلى المناطق الأخرى، حيث قسم ماكندر حسب نظرية المجال الحيوي التي جاء  بها العالم الألماني "فريدريك راتزل" العالم ووزعه بين ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- قلب الأرض: يشمل أوروبا الشرقية و روسيا الأوروبية و الآسيوية.
2- الجزيرة العالمية: تشمل ثلاث قارات أوروبا، أسيا، أفريقيا يجمعهم البحر الأبيض المتوسط.
3- الهلال الخارجي: وهو الهلال الذي يغلق الجزيرة العالمية ويضم بريطانيا الولايات المتحدة الأمريكية جنوب أمريكا أستراليا، وأضاف أخر وهو الهلال الداخلي ويضم، ألمانيا النمسا، تركيا الهند، الصين.

ووفق هذا التقسيم وضع ماكندر المعادلة الشهيرة "من يحكم شرق أوروبا يسيطر على قلب الأرض، ومن يحكم قلب الأرض يسيطر على الجزيرة العالمية، ومن يسيطر على الجزيرة العالمية يسيطر على العالم"، وبناء على هذا التصور فان موقع حوض المتوسط جد هام يتوسط الجزيرة العالمية التي تشمل القارات الثلاث أفريقيا أسيا، أوروبا ومن هنا فان من يسيطر عليه يسيطر على العالم.

- الأهمية الاقتصادية للمتوسط:

إن للبحر الأبيض المتوسط أهمية اقتصادية كبيرة فهو مفترق الطرق بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب، فهو قبل كل شيء منطقة عبور بحرية للتجارة العالمية، ومن الثروات الطبيعية التي يزخر بها المتوسط نجد النفط والغاز الطبيعي الذي تزخر بهما الضفة الجنوبية إلى جانب المعادن "الفوسفات والحديد" وثروة سمكية، حيث يحتوي على %75من الثروات البحرية الحيوانية و % 18من الثروة البحرية النباتية الموجودة في العالم وهذا ما دفع دائما القوى الكبرى إلى محاولة بسط نفوذها على ثروات هذه المنطقة، كما تعتبر أيضا مضايق البوسفور والدردنيل ومضيق جبل طارق وقناة السويس نقاط مفتاحيه في نظام النقل المتوسطي، وهذه المضايق ذات أهمية اقتصادية إذ أنها تكون المنفذ والممر الوحيد لجميع الطرق البحرية، ومن جهة أخرى تعتبر الموانئ لاعبا رئيسيا في نظام النقل المتوسطي بين البر والبحر، ومن أهم الموانئ نذكر: ميناء مرسيليا بفرنسا، ميناء برشلونة بإسبانيا، ميناء اسطنبول بتركيا، ميناء سعيد بمصر، ميناء تنجر ميد بالمغرب، كما تعتبر مضائق البوسفور والدردنيل، ومضيق جبل طارق، وقناة سويس نقاط مفتاحية في نظام النقل المتوسطي.

- الأهمية الحضارية لمتوسط:

تعود فكرة المتوسطية إلى حضارة الشرق القديم أي ثلاثة قرون قبل الميلاد خاصة في عصر الاسكندر الأكبر، حيث ظهرت على سواحله أعظم الحضارات البشرية كالحضارات المصرية، الإغريقية، الرومانية، والإسلامية، حيث اتسع التفاعل بين شعوب الضفتين بعد مجيء الديانة المسيحية والإسلامية، حيث اكتست العلاقة طابعا دينيا لا تزال تأثيراته إلى اليوم، فالإسلام بارز في جنوبه والكاثوليكية في شماله ليشكل بهذا أكبر منبع للتنوع الديني و الثقافي في العالم.

فالحضارة الإسلامية جعلت البحر المتوسط ملتقى روحيا و تجاريا و علميا، لذلك ترتبط أوروبا و العالم العربي و الإسلامي علاقات تاريخية وثقافية واقتصادية، فثمة تاريخ مشترك يربط بين هذين العالمين وهو تاريخ من التعاون وتحالف وتاريخ من الصراع والاقتتال لمدة قرون من الزمن، فكانت مهدا للصراع بين روما وقرطاجة والقسطنطينية وكذا الحروب الصليبية في العصر الوسيط، ومن هذا يظهر أن الاهتمام الدولي بالمنطقة المتوسطية سواء تعلق الأمر بالبحر المتوسطي أو الدول التي تنتمي إليه لا يعود فقط إلى العصر الحديث و لا إلى الفترة المعاصرة بل يؤكد التاريخ على أنه مثل دوما ميدانا للصراع و الحروب بين مراكز القوى الإقليمية والدولية، بحيث أن المفهوم الاستراتيجي يبين على أن من يسيطر على حوض المتوسط يسيطر على حركة الملاحة في وعليه يتحكم في سياسة و اقتصاد الدول الأخرى.   

ثالثا_ التهديدات الأمنية في منطقة البحر المتوسط:

ارتبط تحول مفهوم الأمن ببروز تهديدات جديدة للأمن على الساحة الدولية، خاصة بعد نهاية فترة الحرب الباردة، وما تلاها من متغيرات، كأحداث 11سبتمبر 2001 والتي ساهمت في طرحها أكثر بين الدول وأضفت عليها الصبغة العالمية، فبعد أن كانت هذه التهديدات قطرية، أصبحت عابرة للأوطان، كالهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة والإرهاب الدولي...غير أن تسمية هذه التهديدات بالتهديدات "الجديدة" وربطها بفترة معينة أمر غير ثابت، فهذه التهديدات ظهرت في عقود سابقة، لكن ما يضفي عليها طابع الجدة هو مميزاتها التي تعطيها خصوصية مغايرة، تهديدات مشتركة عابرة للأوطان ذات بعد عالمي، وهذا مقارنة بالتهديدات التقليدية ذات الطابع العسكري والقطري وفي ظل هذه التحولات الجديدة نجد أنها انعكست بشكل كبير على دول حوض المتوسط بضفتيه.

- الهجرة غير الشرعية:

تفاقمت في منطقة المتوسط مشكلة الهجرة من الجنوب نحو الشمال خاصة من منطقة شمال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي، وأوروبا ترفض استقبال مزيد من المهاجرين غير المؤهلين، وذلك لما يرافق هذه الظاهرة من تهديد لأمن منطقة المتوسط والأمن داخل القارة الأوروبية، وتعود أسباب هذه الهجرة إلى أسباب سياسية منها نظم الحكم الدكتاتورية، وأسباب اقتصادية على رأسها ارتفاع مستوي البطالة، واجتماعية منها ارتفاع معدلات الزيادة السكانية بشكل لا يتناسب مع معدلات النمو الاقتصادي، ولعل أسباب الإحساس بأن المهاجرين مصدر فوضي ولا استقرار في الدول الأوروبية هي البطالة وكثرة عدد العاطلين من المهاجرين في أوروبا ومنافستهم لمواطني الاتحاد الأوروبي في سوق العمل، وشيوع البطالة بين المهاجرين من جنوب المتوسط أظهر نوع خطير من التهديدات كتجارة المخدرات، وغسيل الأموال، والجريمة المنظمة.

- الإرهاب الدولي:

ظهر الارهاب الدولي مع مطلع التسعينات من القرن الماضي كنمط من أنماط الإرهاب الجديد وتظهر المنطقة المتوسطية من المناطق الأكثر استهدافا من قبل الإرهاب لما تشكله من ثقل اقتصادي وسياسي، وموقع إستراتيجي وثروات، فقد استغلت الحركات المتطرفة الظروف الصعبة التي تمر بها دول جنوب المتوسط من فقر وحرمان من أجل زعزعة استقرار هذه الدول، وكان سلاحها في ذلك الإرهاب الذي انتقل من إطار قومي ضيق إلى إطار أكثر شمولية وعابر للأوطان والقارات كما شكلت أحداث 11سبتمبر نقلة نوعية في نمط الإرهاب حيث انتقل من إرهاب داخل الدول إلى إرهاب عبر-وطني.

- فشل الدولة:

يعتبر "روبرت جاكسون  " Robert Jackson أول من تعرض إلى إشكالية فشل الدولة تحت مفهوم "شبه الدول"حيث وضح أن هذه الظاهرة المرتبطة بالعجز الوظيفي في الدور الذي تلعبه الدولة يؤدي إلى مخاطر تعترض أداء الدولة لوظائفها في ضمان الاستقرار ودرجة الكفاءة على المستوى الداخلي، بمعنى أن الدولة الفاشلة تصبح غير قادرة على أداء وفرض قوتها السياسية والعسكرية كما ينبغي، وهكذا أصبحت الدول الأكثر ضعفا وتخلفا والتي تعاني من الاضطرابات في جميع الميادين عاملا فعالا في تهديد استقرار العالم والمنطقة المتوسطية على حد سواء، حيث يؤدي الفساد، استغلال السلطة، المؤسسات الضعيفة أو عدم وجود محاسبة... إلى تآكل الدول من الداخل وانهيار مؤسسات الدولة في بعض الأحيان، ويمكن ربط انهيار الدولة بتهديدات واضحة، مثل: الأمراض المستعصية، الجرائم المنظمة والنزاعات الإقليمية وما تخلفه من حروب انفصالية وإثنية، هذه الأخيرة التي تدفع بآلاف المشردين واللاجئين إلى الهجرة إلى مناطق أكثر أمنا، وهو ما يزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.

 

المصادر والمراجع:

محمد الصغير بوسبتة، "التهديدات الأمنية في المتوسط وأثرها في علاقات الأمن والتعاون الأورو_ جزائري". "مجلة العلوم القانونية والاجتماعية"، ع5، ب.س.ن.

وهيبة تباني، "الأمن المتوسطي في استراتيجية الحلف الأطلسي دراسة حالة ظاهرة الارهاب". جامعة مولود معمري_ تيزي وزو، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مدرسة الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص دراسات متوسطية مغاربية، الأمن والتعاون، 2014.

جويدة حمزاوي، "التصور الأمني الأوروبي: نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط". جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص دراسات مغاربية ومتوسطية في التعاون والأمن.

كمال روابحي، "التهديدات الأمنية الجديدة في المتوسط وتداعياتها على الأمن القومي الجزائري". جامعة محمد بوضياف لمسيلة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في تخصص الاستراتيجية والعلاقات الدولية، 2018.

أسماء صحراوي، "الإشكاليات الجديدة للأمن في المتوسط". جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مذكرة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية واستراتيجية، 2016.

زهية كتاب، "الشراكة الأور ومغاربية _ أبعادها ورهاناتها_". جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم، كلية الحقول والعلوم السياسية، أطروحة دكتوراه في الحقوق تخصص القانون الدولي للأعمال، 2019.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia